
لا أدرى إذا كنت قد شاهدت الفيلم البرازيلى الأشهر «مدينة الله» للمخرج فرناندو موريليس والذى حصل على جائزة أوسكار افضل فيلم أجنبى ويتم إختياره دائما فى قوائم أفضل الأفلام السينمائية فى العالم، إذا كنت قد فعلت، فأرجو أن تحاول الحصول على مسلسل تلفزيونى ممتع أنتجه نفس فريق عمل الفيلم بعنوان «مدينة الرجال»، قاموا خلال حلقاته المنفصلة المتصلة بتقديم ملامح إضافية من حياة أبطال الفيلم الذى تدور أحداثه هو والمسلسل فى أفقر أحياء مدينة ريو دى جانيرو وأكثرها عشوائية وأشدها إبتلاءا بالجريمة المنظمة وتجارة المخدرات والدعارة. فى إحدى حلقات المسلسل نرى بطليه وهما صبيان فقيران يتجهان فى رحلة إلى العاصمة برازيليا فى مهمة غريبة يقترحها أحدهما، هى محاولة مقابلة رئيس الجمهورية لولا دى سيلفا والتقاط صورة معه، يبدو الآخر متشككا فى نجاح المهمة برغم إشتراكه فى الرحلة بهدف التعرف على العاصمة والخروج من خنقة الحى الفقير الذى يسكنه، يقول لصديقه «هل أنت مجنون، هل تعتقد أنه حقا سيقابلك؟»، يرد صديقه وهو يريه كارتا عليه صورة القصر الرئاسى «طبعا انظر إلى العنوان، مكتوب أنه يسكن فى قصر الشعب، ولذلك سيقابلنى، ثم لماذا لا يقابلني؟، لقد كان هو أيضا فقيرا مثل فأر الكنيسة»، ثم يحكى لصديقه كيف عرف أن لولا وهو طفل كان يحلم بالذهاب إلى مدينة ساو باولو للحصول على عمل فيها، وكيف أقنع صديقا له بذلك، وبالفعل سافر إلى هناك وعمل فى بيع الفول السودانى. بعدها ومع تواصل الحكى نكتشف أن هدف الصبى من الرحلة إلى قصر الشعب ليست فقط إلتقاط صورة مع لولا، بل هو ينوى أن يطلب من رئيس الجمهورية التدخل للإفراج عن جده المسجون بعد أن تورط بسبب الفقر فى إرتكاب جريمة، وهو متأكد أنه سينجح فى إقناع دى سيلفا بذلك لأنه سيذكره بأن جده كان صديقا لـ «لولا» فى طفولته، ويخرج من جيبه صورة لجده مع لولا وهما طفلين عندما كانت أم لولا تعمل طباخة فى حى فقير كان جده يسكن فيه، ثم يقول الصبى لزميله أنه بعد أن يحكى كل هذا للرئيس سيقول له «أنا أؤمن بك، لأنك تذكر ما مررت به وأنت فقير». وعندما يصل الإثنان إلى قصر الشعب فى برازيليا يصر الصبى صاحب القضية على الدخول ويجبن الآخر فلا يدخل مع صديقه الذى يراهنه على أن لولا سيستقبله وسيلتقط معه صورة أيضا، ثم تنتهى الحلقة بنهاية شديدة الذكاء نعرف منها أن الصبى دخل فعلا وقابل لولا دى سيلفا وحكى له قصة جده والتقط صورة معه، لكن الصورة نفسها ضاعت لأن الكاميرا «المهكعة» التى كان يحملها لم تكن أصلا تعمل.
لاحظ أن من أنتج هذه الحلقة البديعة لم يكن فريقا من الفنانين المطبلاتية محترفى الموالسة ولحس الأعتاب من ماركة «وإحنا معاه إلى ما شاء الله»، بل كان نفس الفريق الذى قدم عملا فنيا شديد الجرأة والصدق غاص فى جرح البرازيل الأكثر خطورة وألما، جرح الهوة الطبقية المريرة بين الفقراء والأغنياء، وهو الجرح الذى وضعه لولا دى سيلفا نصب عينيه منذ أن تولى الحكم، وقد كان لولا يعلم أنه سيتعرض لحرب شرسة من أصحاب المصالح الذين سيحاولون إفشاله بأى شكل بكل ما لديهم من ثروات ضخمة ووسائل إعلام طاغية التأثير وشبكات مصالح مع أقطاب الدولة العميقة فى كافة المؤسسات، لكن لولا كان صاحب رؤية حرة مبدعة استلهمها من تجربته الشخصية العريضة، رؤية لم تملها عليه جماعة أو عشيرة، ولذلك لم يدع أحدا يقوم بجره إلى معارك تلهيه عن معركته الأصلية التى خرج منها فى النهاية بطلا شعبيا يبلع له الملايين الزلط، ويتغاضون عن خطاياه السياسية، ويعتبرون مقابلته حلما يسكن وجدانهم، ليس لأنه الرئيس صاحب القوة والسلطة، بل لأنه كان فقيرا مثلهم ولذلك سيتذكر ما مر به وهو فقير.
لكن كيف فعل لولا ذلك؟، سنحاول البدء فى الإجابة غدا بإذن الله فى حلقات متتالية لا أطمع أن يستفيد منها مرسى، بل أطمع أن يستفيد منها لولا دى سيلفا مصرى يوجد بيننا ونحتاجه، لكننا لم نكتشفه بعد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق